الأربعاء، 29 أبريل 2015

الآراء التربوية عند ابن سحنون في كتاب آداب المعلمين والمتعلمين

         بسم الله الرحمن الرحيم
 
     المملكة العربية السعودية
            وزارة التعليم العالي
الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
          كلية الدعوة وأصول الدين
   قسم التربية -  ماجستير مسائي




الآراء التربوية
عند ابن سحنون  في كتاب آداب المعلمين
حسن علي سعد آل هنيدي
تحت اشراف سعادة الدكتور : عيد بن حجاج الجهني


الفصل الأول

مقدمة:

تنطلق التربية الإسلامية، ككل تربية، من فلسفة تحدد مسارها. والإسلام هو الموجه الأول للتربية الإسلامية، التي تسعى لتحقيق أهدافه القائمة على إيجاد .
الإنسان الصالح من حيث هو  إنسان  بصرف النظر عن كونه مواطنا في هذا المكان أو في  ذلك الزمان كانت التربية الإسلامية هي السائدة في معاهد التعليم في العصور الإسلامية وبرز من المسلمين  أعلام  في الحقل التربوي مثل ابن سحنون والقياسي والزر نوجي الغزالي وغيرهم وسأتناول في هذا البحث يعض الآراء التربوية عند ابن سحنون
لقد اهتمَّت الأمم عبر عصور التاريخ بموضوع التربية والتعليم، وطرائقه وأساليبه، وأسهمَ العلماء والفلاسفة والباحثون منذ أفلاطون حتى يومنا هذا في وضع النظريات التي ما زالت تتطور حينًا بعد حين، وما تزال موضِعَ اهتمام المُفكِّرين والمُصلِحين.
 ومن أهم وأنضج الدراسات التي أرست أسسًا هامة، ووضعت مبادئ صالحة على مرِّ السنين: التربية الإسلامية، تلك التربية التي أسهم العلماء المسلمون فيها إسهامًا كبيرًا.
 ومن أبرز أعلام التربية والتعليم الذين كان لهم فضل السبق في التأليف في النظام التربوي الإسلامي: ابن سحنون، الذي هو موضوع حديثنا في هذه السطور.

أهداف البحث :

هدف هذا البحث إلى الكشف عن الآراء التربوية لابن سحنون من خلال كتابه آداب المعلمين, مع تقديم التوصيات والمقترحات التي تساعد على فهمنا لقوة الفكر التربوي الإسلامي .

أهمية البحث:

يستمد هذا البحث أهميته ممّا يلي :
-كونه يتناول جانباً من جوانب التربية الإسلامية وآداب تعليمها وتعلمها.
-أن يستحث هذا البحث دراساتٍ لاحقةٍ لتحليل المزيد من الكتب التربوية من مؤلفات العلماء المسلمين.
-استنباط بعض المضامين التربوية من رسالة أداب المعلمين .
-تقديم تصور مقترح في كيفية تطبيق المضامين التربوية المستنبطة ، وكيفية الإفادة منها في تحقيق أهداف المؤسسات التربوية المتمثلة في المدرسة من المأمول أن يسهم هذا التحليل في مساعدة طلاب كليات التربية المقبلين على الوظائف التربوية.  

أسئلة البحث:

جاءت أسئلة البحث من خلال صياغة السؤال الرئيس والذي نصه
ما الآراء التربوية عند ابن سحنون في كتاب آداب المعلمين والمتعلمين؟
وللإجابة على هذا السؤال لا بد من الإجابة على الأسئلة الفرعية الآتية :
ما أبرز ملامح عصر ابن سحنون ؟
ما هو رأي ابن سحنون في المعلم ؟
ما علاقة المعلم بالمتعلم عند ابن سحنون ؟

الدراسات السابقة:

ـ التربية في الإسلام : تأليف الدكتور أحمد فؤاد الأهواني وملحق بها رسالة أداب المعلمين ، وسبّقها في المقدمة عن حياة ابن سحنون ، وثانٍ يتناول بيئة ابن سحنون الدينية وطريقته في التأليف ، وجاء في الفصل الأول تعليم القرآن العزيز والحث على التعلم في القرن الثالث الهجري ، فالكتاتيب في الإسلام ، فالدين والتعليم ، وأفرد للتربية الخلقية فصلاً ثانياً ، العدل بين الصبيان غنيهم و فقيرهم ، والفصل الثالث أورد ما يكره محوه من ذكر الله وما ينبغي أن يفعل , وكذلك الأدب وما يجوز منه فصلاً رابعاً , وما جاء في الختم وما يجب للمعلم فصلاً خامساً , وكذلك في قضاء عطية العيد فصلاً سادساً , وما ينبغي أن يخلي الصبيان فيه فصلاً سابعاً , وما يجب على المعلم من لزوم الصبيان فصلاً ثامناً , وما يجب في إجازة المعلم فصلاً تاسعاً , وما يجب في إجازة المصحف وكتب الفه وما شابهها فصلاً عاشراً , ثم عرض أهداف التربية كما نصت عليها رسالته حيث جاءت على أسلوب المحدثين في قالب روايةً رواها محمد بن سحنون عن أبيه كلها أو جلًها , ثم الخلاصة والخاتمة ’ وقد أبرز ما في أراء المؤلف من طرافة وما هو عرضة للنقد وأن يوازن بين مذهب بن سحنون بين المذاهب الحديثة في التعليم

بعض المؤلفات في هذا المجال

عنوان الكتاب
اسم المؤلف
سنة الطباعة
1-التربية الإسلامية دراسة مقارنة
أبو القاسم محمد
د. ت
2-ابن خلدون حياته وتراثه الفكري
حسن جغام
1352هـ
3-التربية الإسلامية وفلاسفتها
حسين عاصي
1395هـ
4-في الفكر التربوي الإسلامي
خالد حداد
1402هـ
5-التربية الإسلامية المفهومات والتطبيقات
زكريا إمام
1425هـ
6-تطور الفكر التربوي
ساطع الحصري
1402هـ
7-تطور الفكر التربوي الإسلامي
طه حسين
1420هـ

 

الفصل الثاني

 التعريف بابن سحنون وذِكر أبرز ما جاء في كتابه:

1- التعريف بابن سحنون:
ورد في "سير أعلام النبلاء" للإمام الذهبي أن ابن سحنون هو أبو عبدالله محمد بن سحنون، ولد بالقيروان سنة 202هـ، ونشأ في كنَفِ أبيه، فقيه المغرب وإفريقيا: عبدالسلام سحنون التنوخي القيرواني شيخ المالكية، الذي اعتنى بتربيته وتأديبه وتعليمه، فأخذ حظه من القرآن الكريم والعلوم الضرورية، وتحوَّل إلى مجالس الدروس على يد ثُلَّة من شيوخ إفريقية، فحمل عنهم مروياتهم وأتقنها، ورحل إلى الأمصار وتعلم عدة علوم، وعاد إلى إفريقية مزودًا بتجربة وعلم غَزير ليشعَّ به على المَغرب وإفريقيا.([1])
 وقد اشتغل بالتعليم بالقيروان، وألَّف رسالة سماها: "آداب المعلمين"، وهي على صِغَر حجمها - إذ لا تتجاوز ستًّا وعشرين صفحة (26 صفحة) - رسالة قيِّمة ونفيسة، بما تتضمَّنُه من آراء تربوية تعبِّر بوضوح عن أن الأمة الإسلامية عُنيت بقضايا التعلُّم والتعليم.
 هناك ثلاث عوامل أثرت في تكوين البيئة العلمية والحضارية التي عاش فيها محمد بن سحنون وأخرجته فقيها مالكيا متميزا ومربيا إسلاميا كان له السبق في معالجة قضايا تربية الأبناء في الإسلام والعناية بهم وهذه العوامل تمثلت في :
1- والده ، 2-  النهضة العلمية التي عاصرها ، 3-  عقيدة أهل السنة

خصائص الزمن الذي عاش فيه محمد بن سحنون :

عاش محمد بن سحنون في عهد دولة الأغالبة ( 184 – 296 هـ )، أصبحت الدولة الأغلبية أول دولة تستقل عن العباسيين، كان ذلك أثناء خلافة هارون الرشيد. اشتهر بنو الأغلب بأعمالهم البحرية. كانوا أول من فتح جزيرة صقلية، ثم تابعوا فتوحاتهم في جنوب إيطاليا وسردينيا. رغم أنهم لم يتوسعوا داخل الأراضي الإيطالية، إلا أنهم أخضعوا كل المدن الساحلية إلى سيطرتهم، ولم تسلم حتى روما منهم، كانوا يقومون باجتياح هذه المدن ثم ينسحبوا إلى قواعدهم. وقد كانت تتميز بوجود الاستقرار و الأمن و التقدم في المجال الحضاري و العمراني و نشطت فيها الحركة التجارية. مما أدى إلى تطور العلوم و الحضارة في هذه الفترة، و اواخر عهدها كان للثورات الداخلية (الخوارج والبربر) دورا كبيرا في زعزعة استقرار الدولة، انتهى دور بنو الأغلب في المنطقة مع ظهور الدولة الفاطمية.

•      أهم ملامح بيئته وعصره:
هناك ثلاث عوامل أثرت في تكوين البيئة العلمية والحضارية التي عاش فيها ابن سحنون وأخرجته فقيها مالكيا متميزا ومربيا إسلاميا كان له السبق في معالجة قضايا تربية الأبناء في الإسلام والعناية بهم وهذه العوامل تمثلت في
1-    والده: كان أبوه اعلم فقيه مالكي في شمال أفريقا وقد اتصف بالتقوى والورع والسماحة وقد حرص على تنشئته تنشئة خاصة ومن مظاهر عنايته به انه كان يسمح له بمناظرته ومناقشته في مسائل العلم وبالجلوس في مجلسه في التدريس وحرصه على أن يحضر مجالسه العلمية ، وكان أبوه يودان يكون ابنه خير مدافع عن مذهب مالك في شمال أفريقا كما كان هو وقد تم له ما أراد.
2-    النهضة العلمية التي عاصرها: حيث تمثلت فيما كان بين العواصم الإسلامية(مكة والمدينة المنورة والقاهرة والقيروان) من تنافس شريف وشديد في توفير أسباب البحث العلمي والتعمق فيه ونشرة وإذاعته ، فقد كانت كل عاصمة تحرص على اجتذاب اكبر عدد من العلماء إليها ، وعلى توفير أمهات الكتب وعلى تنظيم مجالس العلماء وحلقات التدريس في مساجدها وجوامعها، وفي هذا الجو العلمي المزدهر عاش ابن سحنون وأفاد منه واسهم في إثرائه.
3-    عقيدة أهل السنة: تشكل هذه العقيدة العنصر الثالث للبيئة العلمية التي عاش فيها ابن سحنون والتي كان لها اثر واضح في فكره التربوي حيث عمل على نشر مذهب مالك بشمال أفريقا ومالك رضي الله عنه كان من أهل السنة ومن رواة الحديث ومن المتمسكين بعقيدة أهل السنة ودافع عنه وكان من المشهود لهم بالبراعة وقوة الحجة والذود عن هذا المذهب.
•      مؤلفاته:
كان ابن سحنون غزير التأليف للكتب، ألف في جميع فنون العلوم كالفقة والتفسير والحديث والعقيدة والتراجم والسير والتاريخ والأنساب كتبا تصل إلى المائتي كتاب منها كتابه الجامع الذي اعتبر موسوعة علمية ضخمة وكتابه الإمامة ، ومن أهم مؤلفات ابن سحنون التربوية رسالة (آداب المعلمين) التي صنفها في فضائل تعليم القرآن والعربية وواجبات المعلمين، وتعتبر هذه الرسالة من أوائل ما ألف في التربية كميدان منفصل عن الفلسفة والاجتماع في التاريخ العربي. فتح بها ميدانًا جديدًا نعرفه اليوم باسم علوم التربية، وقد أخذ عنه كثير ممن جاء بعده من المربين. تحوي الرسالة عناوين فرعية داخلية لفصول منها ما جاء في تعليم القرآن العزيز، وفي العدل بين الصبيان، وفي ما يكره محوه من ذكر الله، وفي الأدب ما يجوز في ذلك وما لا يجوز ، وفي القضاء ،وفي هدية العيد ، وما يجب على المعلم من لزوم الصبيان، وتعطيل الصبيان في العيد وغيره، وإجارة المعلم والكتب. ونظرًا لأهميتها فقد حققت ونشرت مرات عديدة بتونس ومصر والجزائر ومكة المكرمة، كما كان موضوعًا لدراسات وبحوث عديدة.

وفاته :

توفي محمد بن سحنون رحمه الله بالساحل سنة 256 هـ بعد موت ابيه بست عشرة سنة فجيء به الي القيروان ودفن بقرب مسجده وسنه اربعة وخمسون سنة وصلى عليه الامير ابراهيم بن احمد بن الأغلب.

الفصل الثالث

نظرة عامة على كتاب آداب المعلمين

- اعتمد على الكتاب والسنة وعمل أهل المدينة والإجماع والقياس لما لذلك من صلة كبيرة بالموضوع وهو موضوع التعليم الذي عالجه ابن سحنون في رسالته، فكانت وصفاً للأحكام الإسلامية مدللاً عليها من القرآن الكريم وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
- يقول د. بركات مراد ( في القرن الثالث الهجري خاصة، نستطيع أن نعتبر كتاب محمد بن سحنون الأساس الذي يعتمد في ميدان تعليم الصبيان، وهو مرآة للعصر الذي عاش فيه المؤلف، ويعتبر من أوائل الكتب التي ألفها، وهو يعتبر من الكتب الرائدة في التربية و التعليم، بل هو أقدم هذه الكتب، في الميدان على ما نعلم. وقد ألفت رسائل وكتب عديدة في التربية الإسلامية، وهي على أهميتها متأخرة عنه، وكان له فضل السبق عليها، ولربما يأتي كتاب الحسن القابسي ( المتوفي عام 403 هـ/ 1012 م ) بعده في الأهمية. ومن الذين لهم تأليف في الميدان أيضاً مسكويه المؤرخ والفيلسوف ( 325 – 421 هـ) و الإمام الغزالي (450 – 505 هـ) والعلامة الزرنوجي ( المتوفي 571 هـ) و العلامة ابن خلدون ( المتوفي 808 هـ) ).
-  يتألف كتاب ابن سحنون من عشرة أجزاء أو فصول أو أبواب، وتأتي عناوين كل جزء مباشرة دون أن تسبقها كلمة فصل أو باب، فيما عدا جزء واحد. وهي :
1- ما جاء في تعليم القرآن العزيز
2- ما جاء في العدل بين الصبيان
3- باب ما يكره محوه من ذكر الله تعالى وما ينبغي أن يفعل من ذلك .
4- ما جاء في الأدب وما يجوز من ذلك وما لا يجوز
5- ما جاء في الختم وما يجب في ذلك للمعلم
6- ما جاء في القضاء بعطية العيد
7- ما ينبغي أن يخلى الصبيان فيه
8- ما يجب على المعلم من لزوم الصبيان
9- ما جاء في إجارة المعلم ومتى تجب
10- ما جاء في إجارة المصحف وكتب الفقه وما شابهها

 آراء محمد بن سحنون في المعلم

لقد أرود ابن سحنون في رسالته تحت عنوان ما يجب على المعلم من لزوم الصبيان حيث يرى أن المعلم لكي يؤدي ما أؤتمن عليه ، عليه القيام بما يلي :-

[1] أن لا ينشغل المعلم عن تلاميذه

   " لا يحل للمعلم أن ينشغل عل الصبيان إلا يكون في وقت لا يعرضهم فيه ، فلا بأس أن يتحدث وهو في ذلك ينظر إليهم ويتفقدهم ، ويجوز أن يملي بعضهم بعضاً ، لما في ذلك من منفعة لهم ، ويجب أن يتطور إملاءهم ويفحصها ، ويجيز تعيين عريف منهم قد ختم القرآن يساعدهم في تعليمهم ولكن ليس من حقه الضرب " . (27)

يرى ابن خلدون

أن المعلم يجب ألا ينشغل عن التلاميذ ليضيع وقتهم فيجب عليه استغلال الوقت لكي يستفيد التلاميذ منه .

وعليه أن يتفقد تلاميذه وهو يملي عليهم بعض ما ينفعهم لكي يتفقد الإملاء ويفحصها كما أن من حق المعلم أن يعين عريفاً على التلاميذ لكي يرشدهم ولكن لا يحق له كما يحق للمعلم من تأديب أو ضرب أو زجر أو غير ذلك ، على العكس ذلك ما نراه الآن في مدارسنا فإن مشكلة العرفة تظل قائم بين التلاميذ طوال العام وتسبب الحقد والكراهية بين التلاميذ .

 لا يترك المعلم تلاميذه لأداء النوافل :-

    " على المعلم أن يتفرغ لتلاميذه ولا يترك عمله للصلاة على الجنائز أو عيادة المرضى ، إلا في حالات الضرورة " (28)

    يرى ابن سحنون أنه على المعلم أن يتفرغ للعلم والتلاميذ ، وأن لا ينشغل عنهم بحجج يمكن الاستغناء عنها كصلاة الجنائز أو عيادة المرضى لأن العلم عبادة قال الثوري :- " ليس بعض الفرائض أفضل من طلب العلم " (29)

مراعاة ضوابط القراءة وقواعد الخط :-

   " ينبغي له أن يعلمهم إعراب القرآن والشكل والهجاء والخط الحسن والقراءة الحسنة والتوقيف والترتيب والشعر . (30)

ويؤكد ابن سحنون على المعلم :-

أن يعلم تلاميذه إعراب القرآن والضبط والشكل .

وأن يعلمهم الخط الحسن والقراءة .

وأن يعلمهم الترتيل وكيفية الشعر وعلامات التوقيف وغيرها .

عدم تفضيل المصلحة الشخصية على مصلحة الطالب .

" لا يجوز للمعلم أن ينشغل عن الصبيان بأن يكتب لنفسه أو لغيره كتب الفقه إلا بعد إنتهاء قراءة الصبيان .


يؤكد ابن سحنون :

أن على المعلم أن يقضي كل وقته في تعليم الصبيان فلا يترك التلاميذ ويشتغل وفتهم في كتابة لنفسه أو غيره وهو مخالف لما  نراه اليوم فإن بعض المعلمين يقومون بالتحضير أثناء حصص الدرس .

 يجب على المعلم تخصيص وقتاً للمراجعة :-

" على المعلم أن يختبر لدى تقبل صبيانه في التعليم وأن يخصص وقتاً لمراجعة حفظ القرآن مثل عشية الأربعاء ويوم الخميس ويعفيهم من الحضور يوم الجمعة .

فالمعلم عليه أن يقوم بعملية التقويم من خلال مراجعة الحفظ والاستذكار .

وأن يخصص وقتاً للمراجعة .

وأن يخصص وقتاً للإجازة وليكن يوم الجمعة .

 عدم استخدام الضرب :-

  " لا يجوز للمعلم أن يضرب الصبي على رأسه أو وجهه ولا يجوز أن يمنع من طعامه أو شرابه إذا أرسل في طلبه .

وبذلك يؤكد ابن سحنون على استخدام الطريقة الصحيحة في الضرب فلا يضرب على الوجه والرأس .

وأن لا يمنع التلاميذ من الطعام والشراب إذا أراد ذلك وهو ما تعمل به الدول المتقدمة حيث تسمح للتلاميذ بالأكل أثناء الدرس .

عدم استغلال الطالب للمصلحة الذاتية :-

    " لا يجوز للمعلم أن يرسل الصبيان في قضاء حوائجه "

    ويرى ابن سحنون أنه

على المعلم ألا يرسل الصبيان في قضاء حوائجه .

وهذا على عكس ما هو سائد الآن حيث نرى كثير من المعلمين يستغلون التلاميذ في قضاء حوائجهم .

التأكد من الحفظ أولاً بأول

   " لا يجوز للمعلم أن ينقل الصبي من سورة إلى سورة إلا إذا حفظها بإعرابها وكتابتها"  أي يجب مراقبة مدى تقدم التلاميذ بالإضافة إلى عدم الانتقال من موضوع لموضوع أو من سورة إلى سورة قبل إتمام الحفظ والتمكن منها وعلى المعلم أن يتحقق من تمكن تلاميذه لكتابة السورة وإعرابها .

حث التلاميذ على الصلاة :-

    " يجب على المعلم أن يأمر الصبي بالصلاة إذا كان ابن سبع سنين ويضربه عليها إذا كان ابن عشر وعليه أن يعلمه الوضوء والصلاة لأنها من تمام دينه ويعلمه أيضاً سنن الصلاة والابتهال إلى الله .

وهذه دعوة من ابن سحنون للمعلم على أن يحث تلاميذه على الصلاة ومنذ بلوغهم سن السابعة حتى يتعودا على ذلك .

وعليه ألا يستخدم الضرب إلا بعد عشر سنوات ، فهنا يبين لنا متى نستخدم الضرب مع التلاميذ أي نبدأ أولاً بالتعليم ثم الممارسة ثم الضرب وعلى المعلم أن يعلمه مكملات الصلاة كالوضوء وسنن الصلاة والابتهال إلى الله .

كما يجب على المعلم أن لا يعلم التلاميذ جزءاً ويترك جزءً بل عليه تعليم الدرس ومتطلباته .

الفصل بين البنين والبنات في التعليم :-

  " واكره للمعلم أن يعلم الجواري ويخلطهن مع الغلمان لأن ذلك فساد لهم "

وعلى المعلم أن يفصل بين الجواري والغلمان في التعليم .

وأن لا يعلم المعلم الجواري بل عليه أن يعلم الصبيان فقط .

وأما الجواري فتعلمهن جارية مثلهن فهذه دعوة منه إلى تأنيث التعليم وهو ما تعمل به الآن الدول المتقدمة كفرنسا وأمريكا .

 

 

الفصل الرابع

 آراؤه التربوية:

• المجال المعرفي عند ابن سحنون، أو ما ينبغي تعلمه وتعليمه.
 1- البدء بتعلُّم القرآن الكريم:
اعتبر ابن سحنون أن القرآن الكريم هو منبع العلوم وأساسها؛ لذا كان أول ما بدأ به في كتابه: "ما جاء في تعليم القرآن العزيز"، مستندًا في ذلك على أحاديث نبوية شريفة، من مثل ما روي عن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أفضلكم من تعلَّم القرآن وعلمه))[[2]]، وفي رواية أخرى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((خيركم من تعلَّم القرآن وعلمه))[[3]]، وضمن كتابه أحاديث كثيرة لا يتسع المجال لذِكرها، كما روى أثرًا عن سفيان الثوري عن العلاء بن السائب قال: قال ابن مسعود رضي الله عنه: "...لا بدَّ للناس من معلم يعلم أولادهم، ويأخذ على ذلك أجرًا، ولولا ذلك لكان الناس أُمِّيين"، وما روي عن عطاء: أنه كان يعلِّم الكتاب على عهد معاوية ويَشترِط[[4]].
 وتحدث ابن سحنون في أمور كثيرة تتعلق بتعلم القرآن وتعليمه؛ كأخذ الأجرة على تعليمه، وما يتعلق بالختمة، ومَن يستحق أجرَها من المعلِّمين إذا تعلم التلميذ على أكثر من معلم.
 إلا أن ما يلاحظ على ابن سحنون أنه لم يبيِّن بتفصيل كيفية تعلم القرآن الكريم، ولا سن المتعلم، ويَبدو أن نظرية ابن سحنون هذه، التي تجعل القرآن الكريم أول ما يتعلمه المتعلم، توافق ما كان منتشرًا في زمانه، خاصة في المغرب؛ حيث يتمُّ تعليم القرآن الكريم قبل كل شيء، وهذا فيه دليل واضح على أن النظام التربوي الإسلامي[[5]] يَنطلق من الواقع ويعود إليه، فلم يؤلف ابن سحنون رسالتَه إلا بعد أن درس ومارس مهنة التعليم، وهذا فيه ردٌّ على مَن زعم أن المسلمين لم يهتمُّوا بقضايا التعلم والتعليم.
 ولا نَنسى أن الكتاتيب القرآنية وُجدَت منذ فجر الإسلام، وهي أماكن يَجتمع فيها الصبيان لحفظ القرآن الكريم وتَدارُسه.
 وهنا نجد ابن سحنون يُشير إلى هذه النقطة فيقول: "سُئل مالك عن تعليم الصبيان في المسجد فقال: "لا أرى ذلك يجوز؛ لأنهم لا يتحفَّظون من النجاسة، ولم يُنصَب المسجد للتعليم"[[6]]، فهذا يدل على أن القرآن الكريم كان أول ما يتعلمه المتعلم، وذلك في الكتاتيب القرآنية التي كانت منتشرة وما تزال في الأمة الإسلامية إلى يومِنا هذا.

 2- العلوم الأخرى التي يلزم تعلُّمها (مواد الدراسة):

لم يذكر ابن سحنون بابًا خاصًّا لطريقة التعليم، أو المواد التي يلزم تعلمها، ولكن يُمكن استِشفاف ذلك من مؤلَّفه؛ حيث يُبيِّن ابن سحنون في ثنايا رسالته أن على المعلِّم أن يعلم الصبية المواد الآتية:
• الفقه: قال ابن سحنون فيما يَرويه عن أبيه: "ويلزمه أن يُعلِّمهم الوضوء والصلاة؛ لأن ذلك دينُهم، وعدد ركوعها وسجودها، والقراءة فيها والتكبير، وكيف الجلوس والإحرام والسلام، وما يلزمهم في الصلاة... وليتعاهدهم بتعليم الدعاء ليرغبوا إلى الله، ويعرفهم عظمته وجلاله؛ ليَكبروا على ذلك"[[7]]، ثم تحدَّث عما يَنبغي تعلمه من سنن الصلاة وأمور الدِّين عامة.

• الفرائض، والنحو، والشِّعر، والخطابة، وتَحسين الخط، والرسائل؛ وذلك بأن يأذن للمتعلمين بكتابتها، ثم يُعلِّمهم الحساب، يقول في هذا الأمر: "ويَنبغي أن يعلمهم الحساب، وليس ذلك بلازم له، إلا أن يُشتَرَط ذلك عليه، وكذلك الشِّعر، والغريب، والعربية، والخط، وجميع النحو، وهو في ذلك متطوِّع...، وينبغي أن يعلِّمَهم إعراب القرآن، وذلك لازم له، والشَّكل، والهِجاء، والخط الحسن، والقراءة الحسنة، والتوقيف، والترتيل، يلزمه ذلك، ولا بأس أن يُعلِّمهم الشعر مما لا يكون فيه فحش من كلام العرب وأخبارها، وليس ذلك بواجب عليه"[[8]].

وتحدَّث عن تعلم الخطابة فقال: "ولا بأس أن يُعلِّمهم الخطب إن أرادوا"، وتحدَّث أيضًا عن تعليم الألحان، أو ما نُسمِّيه الآن: "المقامات الصوتية" فقال: "ولا أرى أن يُعلمهم ألحان القرآن؛ لأن مالكًا قال: "لا يجوز أن يقرأ القرآن بالألحان"، ولا أرى أن يُعلِّمهم التحبير؛ لأن ذلك داعية إلى الغناء، وهو مَكروه، وأن ينهى عن ذلك بأشدِّ النهي"[[9]].

واشترط ابن سحنون في تعلُّم هذه العلوم ألا يَنتقِل المعلم من درس إلى آخر، إلا بعد أن يَحفظه المتعلمون، ويقوم المعلم باختبارهم ليعرف هل سيَنتقل إلى درس آخر أم لا؟ قال ابن سحنون: "ولا بأس أن يجعلهم يُملي بعضهم على بعض؛ لأن ذلك منفعة لهم، وليتفقَّدإملاءهم، ولا يجوز أن ينقلهم من سورة إلى سورة حتى يحفظوها بإعرابها وكتابتها.."[[10]].
 وهنا يظهر الحديث عن شرط من شروط التعلم الذي يَزعم الغربيون أنه من حسناتهم، وأقصد به: "عامل التدرُّج"، وهو واضح في منطوق النص قبل مفهومه.

يمكن الحديث في هذا المِحور عن جملة من الضوابط التي تحكم علاقة المعلِّم بالمتعلِّم، ومنها:
1- مبدأ الثواب والعقاب:
أعطى ابن سحنون للمعلم صلاحية ضرب تلاميذه على منافعهم، وألا يتجاوَز ثلاثًا، إلا بإذن الولي في أكثر من ذلك، ولا يجوز له أن يضرب رأس الصبي ولا وجهه، متبعًا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((أدب الصبي ثلاث درر، فما زاد عليه قُوصِصَ به يوم القيامة، وأدب المسلم في غير الحد عشر إلى خمس عشرة، فما زاد عنه إلى العشرين يُضرَب يوم القيامة [[11]].
 وأورد ابن سحنون حديثًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيه: ((لأن يؤدِّب الرجل ولدَه خيرٌ له من أن يتصدق بصاع))[[12]]، إلا أن ابن سحنون - إلى جانب هذا - جعل مبدأ الرفق مُنطلقًا أساسيًّا من منطلقات التربية والتعليم على الخصوص، ونهجًا ثابتًا في علاقة المسلم بالوجود عامة، وفي هذا الصدد يُورد ابن سحنون ما روي عن بعض أهل العلم كسعيد بن المسيب أنه قال: "إن الأدب على قدر الذنب، وربما جاوز الأدبُ الحدَّ"، وبيَّن ابن سحنون أيضًا أن على المعلم أن يؤدب المتعلمين إذا آذى بعضهم بعضًا...، ويرد ما أخذ بعضهم لبعض، وليس من ناحية القضاء"[[13]]، ونبه على أن الضرب لا يكون في حالة الغضب.  

2- التفرُّغ لأداء مهمة التعليم:

يؤكد ابن سحنون على ضرورة التزام المعلم بأداء مهمته على أحسن وجه، وفي هذا يقول: "ولا يحلُّ للمُعلِّم أن يشتغل عن الصبيان، إلا أن يكون في وقت لا يعرضهم فيه..."، ثم قال: "وليلزم المعلم الاجتهاد، وليتفرَّغ لهم، ولا يجوز له الصلاة على الجنائز إلا فيما لا بدَّ منه، ممن يلزمه النظر في أمره؛ لأنه أجير لا يدع عمله، ولا يتبع الجنائز، ولا عيادة المرضى"[[14]]
ويتبيَّن من خلال هذا الكلام أن التزام المعلم أمر ضروري لأداء واجبه الذي التزم به، وهذا أمر أصبحت الدول التي تَحترِم نفسها تحرص عليه، وتُراقِب المعلمين من أجل سير العملية التعليمية التعلمية على أحسن وجه، وهو - كما ترى - سبَق إليه علماء المسلمين منذ قرون.

كما وجدنا ابن سحنون خصَّص لذلك بابًا سماه: "ما يجب على المعلم من لزوم الصبيان".

1- تحديد العطل:

أقرَّ ابن سحنون عطلة عيد الفطر للصِّبيان يومًا واحدًا، ولا بأس أن تَصِل إلى ثلاثة أيام، وأقر في عيد الأضحى ثلاثة أيام، ولا بأس أن تصل إلى خمسة أيام، إضافة إلى عطلة الأسبوع من عشية يوم الخميس إلى صباح يوم السبت.  

3- ما جاء في العدل بين الصِّبيان (المتعلمين):

في هذه الباب نجد ابن سحنون يركز على ضرورة التسوية بين المتعلمين، بين الفقراء والأغنياء، وأن يكونوا سواسية عند مُعلِّميهم، واستدل على هذا الأمر بما روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أيما مؤدب ولِيَ ثلاثة صبية من هذه الأمة فلم يعلمهم بالسوية، فقيرهم مع غنيهم، وغنيهم مع فقيرهم، حشر يوم القيامة مع الخائنين))[[15]]، وما روي عن الحسن أنه قال: "إذا قوطع المعلم على الأجرة، فلم يعدل بينهم - أي بين الصِّبيان - كُتبَ من الظلمة".
 ومِن ضمن ما تحدث عنه ابن سحنون: مسألة الإجارة، أو تعاقد المعلم مع أولياء المتعلمين لدفع أجرة المعلم، وفصَّل في هذا الأمر تفصيلاً؛ إذ تحدث عن أجرة ختم القرآن الكريم، أو نصفه أو ربعه، ومتى تكون، ولمن تكون؟.
 وتحدَّث عن إجارة تعليم الفقه والفرائض، والشِّعر والنحو، وبيَّن أن أحكام هذه الإجارة مثل إجارة معلِّم القرآن، وأشار إلى أن المعلم يمكن أن يعمل بأجر معلوم كل شهر أو كل سنة، وأن ذلك يُحدَّد مع ولي أمر المتعلم في عقد الإجارة، ونبَّه على أمر مهم وهو: "الهدية للمُعلِّم"، فبيَّن أنه لا يحل للمعلم أن يكلف الصبيان فوق أجرتِه شيئًا من هدية، وغير ذلك.
 ولا يسألهم في ذلك، فإن أهدَوْا إليه على ذلك فهو حرام، إلا أن يُهدوا من غير مسألة، ولا ينبغي أن يُهدِّدَهم إن لم يُهدوا إليه، ويُخليهم إن أهدوا إليه؛ لأن التخلية داعية إلى الهدية، وهو أمر مكروه[[16]].

 3- إشراك الأسرة في تدبير شأن المتعلم:

مما هو جدير بالذكر هنا ما أشار إليه ابن سحنون، في حديثه عن عقاب المتعلِّم، وتأكيده على ضرورة إشراك الأسرة في تحديد عدد الضربات إن أراد الزيادة فوق ثلاثة؛ إذ قال في هذا الصدد: "ولا بأس أن يضربهم على منافعهم، ويؤدبهم على اللعب والبطالة، ولا يجاوز بالأدب ثلاثًا، إلا أن يأذن له الأب في أكثرَ من ذلك"[[17]].
 وبهذا يكون ابن سحنون قد دعا إلى التعاون بين البيت والمدرسة لإنجاح التعليم، ويُبيِّن هذا ما أورده في رسالته؛ حيث قال: "وعلى المعلم أن يُخبر أولياءهم إن لم يَجيئوا، ولا يُرسل بعضهم في طلب بعض إلا بإذن أوليائهم"
 وهكذا جاء كتاب ابن سحنون - على صِغَر حجمه - بمثابة منهج قويم لمن جاء بعده من علماء المسلمين الذين طرَقوا هذا الموضوع وألَّفوا فيه؛ لأنه استرشد بآيات بيِّناتٍ من الذِّكر الحكيم، وبأحاديث من سنَّة سيد المرسَلين، وبوقائع وقعت ودقق فيها النظر، فأصدر عليها أحكامًا، فكانت كالقضية المقضية.([18])

الفصل الخامس

 فقه التربية عند ابن سحنون

انفرد ابن سحنون بالحديث عن موضوعات في فقه التربية دون غيره من الفقهاء الذين بحثوا في هذا المجال، فالإضافة إلى ما تطرق إليه في  الفكر التربوي كآداب المعلم وشروطه وواجباته وقضايا العقاب البدني فقد تطرق إلى الموضوعات التالية:

الأهمية الاجتماعية للعلم والتعليم

يستهل ابن سحنون رسالته بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم حول تعليم القرآن الكريم (أفضلكم من تعلم القرآن وعلمه) وإيراد الحديث منذ البداية، مؤشر عن المنهج الحديث الذي نهجه ابن سحنون يحض على تعلم القرآن وتعليمه للناس لضمان انتشاره. ويلح ابن سحنون على هذا الحديث بإيراده بطرق شتى ومصحوبًا بأحاديث نبوية شريفة أخرى تؤكد أن التعلم من أبرز الأمور التي تساعد على تثبيت الإيمان في القلب ومعرفة الشريعة الإسلامية. كما تشير إلى الفضائل النفسية والاجتماعية التي تترتب على تعليم القرآن وحفظه وقراءته فأفضل الناس وخيرهم من تعلم القرآن وعلمه.([19])

استئجار المعلم

إن التعلم حق إنساني وواجب اجتماعي، وضرورة لبناء المجتمع المسلم والنهوض به. وإذا اتفق العلماء المسلمون على ضرورة التعلم ومشروعيته، فإنهم اختلفوا في جواز تعليم المسلمين القرآن والعلم بالإجارة. إلا أنه لما انتشر الإسلام وأصبح من العسير وجود من يعلم للمسلمين أولادهم ويحبس نفسه عليهم ويترك التماس معايشه، ظهرت الحاجة إلى استئجار معلم يكفي الآباء تعليم أبنائهم، فجاءت الفتوى بجواز التعليم بالإجارة استجابة للضرورة الاجتماعية الملحة وجلبًا لمصلحة الناشئة المسلمة ودفعًا للضرر الذي قد يحصل نتيجة انشغال الناس بأمور معاشهم عن تعليم الصبيان .فاستئجار المعلم ضروري وإلا ضاع العلم لعدم وجود من يتفرغ لذلك.

التعليم في المكاتب

ويتم هذا التعليم في المكاتب أو الكتاتيب وهي مؤسسات اجتماعية وظيفتها تلقين العقيدة الإسلامية، والتعليم فيها خادم لهذه الغاية، ووسيلة لتحقيق هذا الهدف، وقد سئل مالك عن تعليم الصبيان في المسجد فأجاب رضي الله عنه (لا أرى ذلك يجوز) ويجوز للمعلم أن يعلم في المكتب البنات مع كراهية خلطهم بالذكور لأن ذلك فساد لهم، كما يجوز له أن يعلم صبيانًا آخرين إلى جانب الصبيان المأجور على تعليمهم، شرط ألا يؤدي تعليمه للصبيان الآخرين إلى مزاحمة غيرهم أو إلى انشغال المعلم بهم وإهمال الآخرين.

المنهاج وطرق التعليم

كان تعليم الصبيان في الكتاتيب القيروانية زمن ابن سحنون يقوم أساسًا على تعليم القرآن الكريم وحفظه وكتابته، بالإضافة إلى مواد أخرى متنوعة. ومن هذا الخليط العلمي يميز ابن سحنون بين المواد التي يلزم المعلم بتعليمها للصبيان، وأخرى هو مختار متطوع، إلا إذا اشترط الآباء على المعلم تعليمها في عقد الإجارة.
القرآن الكريم يقع على رأس المواد التعليمية الواجب تعليمها للصبيان. يقرؤه الصبيان، ويعلمهم المعلم القراءة الحسنة، ولا ينقلهم من سورة إلى أخرى حتى يحفظوا الأولى بإعرابها وكتابتها.([20]) ويعلمهم الوضوء والصلاة وكيفيتهما، فرائضهما وسننهما وكل أحكامهما. لأن ذلك من الدين، ويتعاهدهم بتعلم الدعاء ليرغبوا إلى الله ويعرفهم عظمته وجلاله ليكبروا على ذلك.
ويعلمهم الأدب (الأخلاق) فإنه من الواجب لله عليه نصيحتهم وحفظهم ورعايتهم وينفرد ابن سحنون بالسماح للمعلم بأن يبيح للتلاميذ تأديب بعضهم بعضا بإسداء النصح والتوجيه، وهو ما لا نجده لدى غيره، فمن الثابت أن من أهم مطالب النمو الاجتماعي في فترة النمو المقصودة بالحديث هنا أن يتعلم الطفل كيف يعيش ويتعامل مع غيره من الناس ويتعلم المعايير الاجتماعية من خلال تفاعله الاجتماعي مع الآخرين، وهذه العلاقات تكتسي أهمية قصوى في تزويد الطفل بالخبرات المتنوعة ومعايير السلوك.
أما المواد الاختيارية التي يستحسن تعلمها ما لم يشترط الآباء غير ذلك، فهي: قواعد اللغة العربية، والكتابة والخط، الشعر العربي، والخطب لا بأس أن يعلمهم إياها إذا أرادوا، والحساب ينبغي أن يعلمهم، وليس ذلك بلازم عليه، إلا أن يشترط ذلك عليه، والتربية البدنية ولم تكن مادة دراسية تعلم في الكتاتيب حيث تحدث عنها ابن سحنون على أنها كانت مما يهتم به المعلمون والآباء ويتناصحون بها لإدراكهم فائدتها بالنسبة لصحة البدن من جهة ولها لها من اثر طيب في إقبال الطلاب على التعليم من جهة أخرى.
هذا نظام وضعه ابن سحنون ، ينظم عملية التعلم منهجاً وطريقة أداء ، لا تقارن بما وصلت إليه التربية الآن بعد حصيلة من التجارب شرقية وغربية ، وإنما نقارنه بما كانت عليه تربية إسلامية وليدة في قرنها الثالث الهجري، أو بما كانت عليه تربية غربية لا نرى لها أثراً بارزاً في حياة الناس سنرى أنه فكر حر مبتكر، لا يتعارض مع منطق التربية الدينية، التي تمده بمفاهيمه السليمة التي منها :
-       تكافؤ الفرص بين المتعلمين فيما يتعلمون ، وفيما يدفعون من أجر .
-       تطبيق مبدأ العقوبة  بحيث يضرب المعلم المتعلمين على منافعهم .
-         نفقة التعليم إذا شرط المعلم أجراً معلوماً كل شهر ، أو كل سنة.
-        تحديد العطلة في عيدي الفطر والأضحى بيوم أو ثلاثة أيام.
-        تعليم الطلاب بعضهم لبعض بحيث يستعين بمن يعينه ، إذا كان في مثل كفايته ليقوم بالتعليم للطلاب.
-        تحديد وقت ومدة التعليم في المكاتب من الضحى إلى ما قبيل العصر .
-       تحديد طريقة التعليم بحيث لا ينتقل التلميذ من سورة إلى سورة حتى يحفظها بإعرابها وكتابتها.
-        تحديد واجبات المعلم وحصر عمله في التعليم  بحيث لا يرسل المعلم التلاميذ في حوائجه .
-       فصل عملية تعليم البنين عن البنات في مكان التعليم.
-       العناية بالناحية التطبيقية : بحيث يتعلم الطلاب \الصلاة ، من حيث عدد الركعات وكيفية التكبير والركوع والرفع منه والسجود ، وكيف الجلوس ، والتشهد والسلام، وما يلزمهم في الصلاة.([21])

أهم آراء ابن سحنون في تربية المتعلمين:

- الأولوية لتعليم القرآن الكريم وحث المعلمين على العمل بما جاء فيه.
- العدل بين الصبيان وعدم التمييز بينهم (الفقير والغني) وهذا ما فطنت إليه النظريات التربوية الحديثة.
- جواز تأديب الصبية إذا ما خالفوا وفق شروط محددة (مبدأ الثواب والعقاب).
- لا يشغل المعلم وقته بغير تعليم الصبية الوقت المحدد للتعليم ولا يعمل عملا آخر.
- لا يجوز الجمع بين الذكور والإناث في التعليم في مكان واحد. ([22])

القيمة التربوية لرسالة ابن سحنون (آداب المعلمين):

ليس من الغريب أن نجد تلك القضايا والمواضيع التربوية والتعليمية التي عالجها  ابن سحنون في رسالته لا تزال حتى يومنا هذا على رأس القضايا التربوية ولا زالت الآراء حولها تتعدد وتتضارب والبحوث بها تستمر وتتوالى مثل
-       من المسؤول عن تعليم الناشئة والأجيال في المجتمعات الأهل أو المجتمع؟
-       وما على الأهل أن يسهموا به لأجل ذلك ؟ وما هي واجبات المجتمع؟
-       ما هي حدود السلطة المخولة للمعلم على طلابه من ناحية والمتعلم ووليه من ناحية أخرى ومن يحدد ما فيه مصلحة الناشئ؟
-       المناهج والمقررات الدراسية جدواها ودورها ووظيفتها في بناء الناشئة ومدى تناسبها للأهداف والغايات التربوية.
-       الغايات التربوية والتعليمية من يضعها للناشئة وكيف العمل على تحقيقها.
-       الثواب والعقاب طبيعتهما ووظيفتهما التربوية والتعليمية.([23])

الخاتمة :

ابن سحنون وضع الرسالة ليبين للمعلمين والآباء أحكام التعليم في المذهب المالكي، ويجيب عن تساؤلات الناس ويفتي في النوازل التي كانت تحصل في عصره حول هذا الموضوع الاجتماعي الحيوي الهام. استنبط أجوبته مما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، ومما أجازه الفقهاء في الأمور التي لا يوجد فيها نص من الكتاب أو السنة، إجاباته كانت تضع الحلول لأمور حاصلة بالفعل سئل عنها، وأحيانًا قدم إجابات لأمور ممكنة الوقوع، ليقضي على ما كان يحصل من مخاوف ومحاذير، أي بعبارة أخرى خلق تساؤلات في إطار ما يسمى بالفقه التقديري الذي يتجه إلى الافتراض والتقدير، وهو استعداد للمشكل قبل وقوعه، فإذا ما وقع عرف الفقيه الدخول فيه والخروج منه.
أما ما انفرد ابن سحنون بإيراده في رسالته فيمكن إجماله فيما يلي:
- جواز تعليم القرآن وغيره بأجرة يتعاقد عليها، حماية لحقوق أطراف العملية التعليمية، مع إبراز أهمية المساهمة الفردية في تمويل التعليم في تحسين الخدمات المقدمة للمتعلمين.
- يجب أن تكون الأجرة ضامنة لشروط الحياة الكريمة للمعلم، ومراعية لكفاءاته وجهده المبذول في تعليم الصبيان والعناية بذوي الحاجات الخاصة منهم.
- ضرورة مراعاة المنهاج الدراسي لحاجات الوسط الذي يكتنف المؤسسة التعليمية، فمع تأسيس المنهاج على غايات وقيم تعتبر قواسم مشتركة ونقط التقاء بين جميع الفئات الاجتماعية، يجب أن ينفتح على المحيط الاقتصادي والاجتماعي ليؤهل الناشئة للاندماج الاجتماعي.
- شمولية المنهج التعليمي الإسلامي لمكون ديني يتمثل في القرآن وعلوم الدين، ومكون أدبي ثقافي يتجلى في دروس اللغة والأدب العربيين، ومكون علمي يترجمه درس الرياضيات (الحساب). ومكون  لمتطلبات حياتية صحية يتمثل في التربية البدنية
- أهمية تعليم الصبيان بعضهم بعضًا الأخلاق، وضرورة إتاحة فرص التفاعل الاجتماعي للأطفال في المؤسسة التعليمية.











قائمة المصادر والمراجع:

- الجامع الصحيح؛ للإمام البخاري.
- سير أعلام النبلاء؛ للإمام الذهبي، مؤسسة الرسالة، تحقيق علي أبو زيد ط: 1 سنة 1983م.
- التربية في الإسلام؛ أحمد فؤاد الأهواني، دار المعارف - القاهرة، مصر.
- آداب المعلمين"؛ لابن سحنون، مضمَّنة في المرجع السابق للأهواني.
-الجامع في كتب آداب المعلمين"، لأبي عبدالله عادل بن عبدالله بن سعد آل حمدان، ط: 1 / 2009 م.
-أحمد, لطفي. (1982). في الفكر التربوي الإسلامي. الرياض: دار المريخ .
-خضر, فخري. (1982). تطور الفكر التربوي. دار الرشيد للنشر والتوزيع. بدون مكان النشر .
-زياد, مصطفى. (2002). الفكر التربوي مدارسه واتجاهات تطوره. الرياض: مكتبة الرشد .
-التويجري علي محمد , من أعلام التربية العربية الإسلامية ج1 , ص231 , ط 1 , مكتب التربية العربي لدول الخليج , 1409 هـ
-سحنون محمد , أداب المعلمين , ص44 و 45 ’و 56 و 58 , ط 1 , 1430 هـ , مكتبة الملك فهد الوطنية
-زهران ، حامد عبدالسلام : التوجيه والإرشاد النفسي ، عالم الكتب ، ط4 ، 1426هـ
 









الفهرس

           



[1] - سير أعلام النبلاء، (13: 6)؛ للإمام الذهبي، مؤسسة الرسالة، تحقيق علي أبو زيد، ط: 1403هـ - 1983م، بتصرف.
[2] - صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" (ح: 5028).
[3] - صحيح البخاري، كتاب فضائل القرآن، باب "خيركم من تعلم القرآن وعلمه" (ح: 5027).
[4] - رسالة آداب المعلمين مضمنة في كتاب: التربية في الإسلام، (ص: 354) أحمد الأهواني، دار المعارف، القاهرة مصر، بدون ط.
[5] - عبرنا بالنظام التربوي؛ لأن النظام مرتبط بما هو وظيفي وعملي خلافًا للنظريات
[6] - آداب المعلمين (مُضمَّن) مصدر سابق (ص: 354(.
[7] - آداب المعلمين"؛ لابن سحنون، (مضمن) (ص: 362(.
[8] - آداب المعلمين"؛ لابن سحنون، (مضمن) (ص: 360).
[9] -المرجع السابق
[10] -hglv[u hgshfr
[11] - يُنظر "الطبقات"؛ لأبي العرب، (ص: 156)، و"تهذيب الكمال"؛ لابن معين، 16/ 316، وهو حديث مقطوع.
[12] - رواه أحمد والترمذي واللفظ له، (ح: 1951).
[13] - أي: إن المعلم مربٍّ، وليس قاضيًا يحكم بين المتنازعين.
[14] - آداب المعلمين"، (مضمَّن)؛ لابن سحنون، مصدر سابق.
[15] - ضعَّفه النسائي وابن مَعِين والذهبي في المغني في الضعفاء 1/228.
[16] - آداب المعلمين، مصدر سابق، بتصرف.
[17] - نفسه "ما جاء في الأدب وما يجوز فيه وما لا يجوز
[18] - زهران ، حامد عبدالسلام : التوجيه والإرشاد النفسي ، ط4 ، ص79
[19] - أحمد, لطفي. (1982). في الفكر التربوي الإسلامي. ص 54
[20] - خضر, فخري. (1982). تطور الفكر التربوي. ص102
[21] - زياد, مصطفى. (2002). الفكر التربوي مدارسه واتجاهات تطورهص128
[22] - سحنون محمد , أداب المعلمين , ص44 و 45 ’و 56 و 58 , ط 1 , 1430 هـ , 
[23] - التويجري علي محمد , من أعلام التربية العربية الإسلامية ج1 , ص231 , ط 1  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق